إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
72115 مشاهدة
سورة الكهف نموذج للقصص القرآني

...............................................................................


كذلك أيضا مما مر بنا قصة ذي القرنين ذكرها الله تعالى في القرآن، وسبب نزولها أن مشركي العرب من قريش لما اشتهر النبي -صلى الله عليه وسلم- ونزلت عليه هذه الآيات والسور القرآنية؛ شكوا في نبوته، فأرسلوا إلى اليهود بالمدينة يسألونهم عن أمره أنه خرج عندنا بشر يدعي أنه نبي، وأنه ينزل عليه الوحي من السماء، وأنه مرسل من الله تعالى، وأنتم أهل كتاب فأخبرونا هل هو نبي كما تعرفون، أو ليس بنبي؟
فكتب اليهود إلى أهل مكة يقولون: سلوه عن ثلاث مسائل فإن أخبركم بها فهو نبي، وإن لم يخبركم فهو رجل متقول كذاب، سلوه عن فرقة أو فتية انعزلوا من أهليهم وآبائهم؛ فإنه كان لهم أمر عجيب، وسلوه عن رجل طواف طاف المشرق والمغرب، وسلوه عن الروح.
فلما جاء أولئك أتوا إلى النبي-صلى الله عليه وسلم- فقالوا: أخبرنا عن فتية فارقوا أهليهم وآباءهم وقومهم وكان لهم حديث عجيب، وأخبرنا عن رجل طواف وصل المشرق والمغرب وما كان من أمره، وأخبرنا عن الروح.
ثم إن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: أخبركم عنها غدا ولم يقل إن شاء الله؛ فعاتبه الله وتأخر عليه الوحي، وبقي خمسة عشر يوما ما نزل عليه الوحي، فعند ذلك نزلت عليه سورة الكهف أخبر الله في أولها عن قصة الفتية الذين هم أهل الكهف: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ وأول القصة قوله: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا إلى آخر القصة، وقال في آخرها: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فعاتبه.
الله على عدم استثنائه بقوله: إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أو إن شاء الله، فأخبره بقصة أصحاب الكهف وقد كان لهم حديث عجيب إذا تأملت قصتهم، ولكن توسع المفسرون فيهم وذكروا فيهم حكايات لا أصل لها ولا دليل عليها وإنما هي مأخوذة من كتب بني إسرائيل.
ثم نزل في آخر السورة قصة ذي القرنين الرجل السيار الذي بلغ مشارق ومغاربها أو مطلع الشمس ومغربها، أخبر الله تعالى بقصته في هذه السورة أنه أتبع سببا لما قال الله له: يا ذا القرنين إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا قال: أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ إلى آخر القصة، فذكر أنه وصل إلى مغرب الشمس وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وقرأها بعضهم :في عين حامية أي حارة أن وصل إلى هذا البحر الذي يتوقف عنده، ولم يستطع أن يتجاوزه وإذا الشمس تغرب في ذلك البحر ولا يدري ما وراءه، ثم إنه رجع وأتبع سببا حتى بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لا يكادون يفقهون قولا، وجدها تطلع كما أخبر الله : حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا لا يكادون يفقهون قولا كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا وأخبر تعالى بأنهم لا يفهمون كلامه ويمكن أن هناك من يعبر لهم ويترجم لهم.